فصل: تفسير الآيات (47- 55):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{مسوّمة}: معلمة، على كل واحد منها اسم صاحبه.
وقيل: معلمة أنها من حجارة العذاب.
وقيل: معلمة أنها ليست من حجارة الدنيا، {للمسرفين}: وهم المجاوزون الحد في الكفر.
{فأخرجنا من كان فيها}: في القرية التي حل العذاب بأهلها.
{غير بيت}: هو بيت لوط عليه السلام، وهو لوط وابنتاه فقط، وقيل: ثلاثة عشر نفسًا.
وقال الرماني: الآية تدل على أن الإيمان هو الإسلام، وكذا قال الزمخشري، وهما معتزليان.
{وتركنا فيها}: أي في القرية، {آية}: علامة.
قال ابن جريج: حجرًا كبيرًا جدًّا منضودًا.
وقيل: ماء أسود منتن.
ويجوز أن يكون فيها عائدًا على الإهلاكة التي أهلكوها، فإنها من أعاجيب الإهلاك، بجعل أعالي القرية أسافل وإمطار الحجارة.
والظاهر أن قوله: {وفي موسى} معطوف على {وتركنا فيها}: أي في قصة موسى.
وقال الزمخشري وابن عطية: {وفي موسى} يكون عطفًا على {وفي الأرض آيات للموقنين} {وفي موسى}، وهذا بعيد جدًّا، ينزه القرآن عن مثله.
وقال الزمخشري أيضًا: أو على قوله، {وتركنا فيها آية} على معنى: وجعلنا في موسى آية، كقوله:
علفتها تبنًا وماء باردًا

انتهى.
ولا حاجة إلى إضمار {وتركنا}، لأنه قد أمكن أن يكون العامل في المجرور {وتركنا}.
{فتولى بركنه}: أي ازور وأعرض، كما قال: {ونأى بجانبه} وقيل: بقوته وسلطانه.
وقال ابن زيد: بركنه: بمجموعه.
وقال قتادة: بقومه.
{وقال ساحر أو مجنون}: ظن أحدهما، أو تعمد الكذب، وقد علم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقًا.
وقال أبو عبيدة: أو بمعنى الواو، ويدل على ذلك أنه قد قالهما، قال: {إن هذا لساحر عليم} و{قال إن رسولكم الذين إرسل إليكم لمجنون} واستشهد أبو عبيدة بقول جرير:
أثعلبة الفوارس أو رباحًا ** عدلت بهم طهية والحشايا

ولا ضرورة تدعو إلى جعل أو بمعنى الواو، إذ يكون قالهما، وأبهم على السامع، فأو للإبهام.
{هو مليم}: أي أتى من المعاصي ما يلام عليه.
{العقيم} التي لا خير فيها، من الشتاء مطر، أو لقاح شجر.
وفي الصحيح: نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور.
فقول من ذهب إلى أنها الصبا، أو الجنوب، أو النكباء، وهي ريح بين ريحين، نكبت عن سمت القبلة، فسميت نكباء، ليس بصحيح، لمعارضته للنص الثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنها الدبور.
{ما تذر من شيء أتت عليه}: وهو عام مخصوص، كقوله: {تدمر كل شيء بأمر ربها} أي مما أراد الله تدميره وإهلاكه من ناس أو ديار أو شجر أو نبات، لأنها لم يرد الله بها إهلاك الجبال والآكام والصخور، ولا العالم الذي لم يكن من قوم عاد.
{إلا جعلته كالرميم}: جملة حالية، والرميم تقدّم تفسيره في يس، وهنا قال السدّي: التراب، وقتادة: الهشيم، ومجاهد: البالي، وقطرب: الرماد، وابن عيسى: المنسحق الذي لا يرم، جعل الهمزة في أرم للسلب.
روي أن الريح كانت تمر بالناس، فيهم الرجل من قوم عاد، فتنزعه من بينهم وتهلكه.
{تمتعوا حتى حين}، قال الحسن: هذا كان حين بعث إليهم صالح، أمروا بالإيمان بما جاء به، والتمتع إلى أن تأتي آجالهم، ثم إنهم عتوا بعد ذلك، ولذلك جاء العطف بالفاء المقتضية تأخر العتو عن ما أمروا به، فهو مطابق لفظًا ووجود.
وقال الفراء: هذا الأمر بالتمتع كان بعد عقر الناقة، والحين ثلاثة أيام التي أوعدوا في تمامها بالعذاب.
فالعتو كان قد تقدم قبل أن يقال لهم تمتعوا، ولا ضرورة تدعو إلى قول الفراء، إذ هو غير مرتب في الوجود.
وقرأ الجمهور: {الصاعقة}؛ وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما، والكسائي: {الصعقة}، وهي الصيحة هنا.
وقرأ الحسن: {الصاعقة}؛ وزيد بن علي كقراءة الكسائي.
{وهم ينظرون}: أي فجأة، وهم ينظرون بعيونهم، قاله الطبري: وكانت نهارًا.
وقال مجاهد: {وهم ينظرون} ينتظرون ذلك في تلك الأيام الثلاثة التي أعلموه فيها، ورأوا علاماته في قلوبهم، وانتظار العذاب أشد من العذاب.
{فما استطاعوا من قيام}، لقوله: {فأصبحوا في دارهم جاثمين} ونفي الاستطاعة أبلغ من نفي القدرة.
{وما كانوا منتصرين}، أبلغ من نفي الانتصار: أي فما قدروا على الهرب، ولا كانوا ممن ينتصر لنفسه فيدفع ما حل به.
وقيل: {من قيام}، هو من قولهم: ما يقوم به إذا عجز عن دفعه، فليس المعنى انتصاب القامة، قاله قتادة.
وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي: {وقوم} بالجر عطفًا على ما تقدم، أي وفي قوم نوح، وهي قراءة عبد الله.
وقرأ باقي السبعة، وأبو عمرو في رواية: بالنصب.
قيل: عطفًا على الضمير في {فأخذتهم}؛ وقيل: عطفًا على {فنبذناهم}، لأن معنى كل منهما: فأهلكناهم.
وقيل: منصوب بإضمار فعل تقديره: وأهلكنا قوم نوح، لدلالة معنى الكلام عليه.
وقيل: باذكر مضمرة.
وروى عبد الوارث، ومحبوب، والأصمعي عن أبي عمرو، وأبو السمال، وابن مقسم: وقوم نوح بالرفع على الابتداء، والخبر محذوف، أي أهلكناهم. اهـ.

.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{هَلْ أَتَاكَ حديث ضَيْفِ إبراهيم}.
تفخيمٌ لشأنِ الحديث وتنبيهٌ على أَنَّهُ ليسَ مما علِمهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بغيرِ طريقِ الوحي، والضيفُ في الأصلِ مصدرُ ضافهُ ولذلكَ يطلقُ عَلى الواحدِ والجماعةِ كالزَّورِ والصَّوْم وكانُوا اثني عشرَ ملَكًا وقيلَ تسعةً عاشرُهم جبريلُ وقيلَ ثلاثةٌ جبريلُ وميكائلُ وملكٌ آخرُ معهمَا عليهمْ السلام وتسميتُهم ضيفًا لأنَّهم كانُوا في صورةِ الضَّيفِ حيثُ أضافَهُم إبراهيمُ عليهِ السلام أو لأنهمُ كانوا في حسابِه كذلكَ {المكرمين} أي المكرمينَ عندَ الله تعالى أو عندَ إبراهيمَ حيثُ خدمَهُم بنفسِه ويزوجتِه {إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ} ظرفٌ للحديث أو لما في الضيفِ منْ مَعْنى الفعلِ أو المكرمينَ إنْ فسَّر بإكرامِ إبراهيمَ {فَقالواْ سَلامًا} أي نسلم عليكَ سلامًا {قال} أيْ إبراهيمُ {سلام} أيْ عليكُم سلامٌ، عُدِلَ بهِ إلى الرفعِ بالابتداءِ للقصدِ إلى الثباتِ والدوامِ حتَّى تكونَ تحيتُه عليهِ الصَّلاةُ والسلام أحسنَ منْ تحيتهم وقرئا مرفوعينَ وقرىءَ {سِلْمٌ} وقرىء منصوبًا والمعنى واحدٌ {قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} أنكرهُمْ عليهِ الصَّلاةُ والسلام للسلامِ الذَّي هو عَلمٌ للإسلامِ أو لأنَّهم ليسُوا ممنْ عهدَهُم منَ النَّاسِ أو لأنَّ أوضاعَهُم وأشكالَهمُ خلافُ ما عليه النَّاسُ ولعلَّه عليهِ الصَّلاةُ والسلام إنَّما قالهُ في نفسهِ من غير أنْ يشعرَهُم بذلكَ لا أنَّه خاطبُهم بهِ جَهْرًا أو سألُهم أنْ يعرِّفوُه أنفسَهُم كَما قيلَ وإلاَّ لكشفُوا أحوالَهُم عندَ ذلكَ وَلَمْ يتصدَّ عليهِ الصَّلاةُ والسلام لمقدماتِ الضيافةِ.
{فَرَاغَ إلى أَهْلِهِ} أيْ ذهبَ إليهمْ عَلى خُفيةٍ منْ ضيفِه فإنَّ منْ أدبِ المضيفِ أنْ يبادَرهُ بالقِرى ويبادرَ بهِ حذارًا مِنْ أن يكفَهُ ويعذَرهُ أو يصيرَ مُنتْظرًا والفاءُ في قوله تعالى: {فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ} فصيحةٌ مفصحةٌ عنْ جُمَلٍ قَدْ حُذفتْ ثقةً بدلالةِ الحالِ عَلَيْها وإيذانًا بكمالِ سرعةِ المجىءِ بالطعامِ كما في قوله تعالى: {أَنِ اضرب بّعَصَاكَ البحر فانفلق} أيْ فذبحَ عجلًا فحنذَهُ فجاءَ بهِ {فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ} بأنْ وضعَهُ لديهم حسَبما هُو المعتادُ {قال أَلاَ تَأْكُلُونَ} إِنْكارًا لعدمِ تعرضِهم للأكلِ {فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ} أضمرَ في نفسِه {خِيفَةً} لتوهمِ أنَّهم جاءُوا للشرِّ وقيلَ وقعَ في قلبِه أنَّهم ملائكةٌ جاءوا للعذابِ {قالواْ لاَ تَخَفْ} قيلَ مسحَ جبريلُ عليهِ السلام العجلَ بجناحِه فقامَ يدرُجُ حتَّى لحقَ بأُمِّهِ فعرفَهُم وأمِنَ منهُم {وَبَشَّرُوهُ} وفي سورةِ الصافاتِ وبشرناهُ أيْ بواسطتِهم {بغلام} هو إسحاقُ عليهِ السلام {عَلِيمٌ} عند بلوغِه واستوائِه {فَأَقْبَلَتِ امرأته} سارةُ لمَّا سمعتْ بشارتَهمُ إلي بيتِها وكانتْ في زاويةٍ تنظرُ إليهمْ {فِى صَرَّةٍ} في صيحةٍ من الصريرِ، ومحلُّه النَّصبُ عَلى الحاليّةِ أو المفعوليةِ إنْ جُعلَ أقبلتْ بمَعْنى أخذتْ كما يقال أقبلَ يشتُمنِي {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} أيْ لطمتْهُ منَ الحياءِ لما أنَّها وجدتْ حرارةَ دمِ الطمثِ وقيلَ ضربتْ بأطرافِ أصابعِها جبينَها كما يفعلُه المتعجب {وَقالتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ} أيْ أنَا عجوزٌ عاقرٌ فكيفَ ألدُ.
{قالواْ كَذَلِكِ} مثلَ ذلكَ القول الكريمِ {قال رَبُّكِ} وَإنَّما نحنُ معبرونَ نخبركِ بهِ عنْهُ تعالى لاَ أنَّا نقوله منْ تلِقاءِ أنفسِنا {إِنَّهُ هُوَ الحكيم العليم} فيكونُ قوله حقًا وفعلُه متقنًا لا محالةَ. رُويَ أنَّ جبريلَ عليهِ السلام قال لهَا انْظُري إلى سقفِ بيتك فنظرتْ فإذَا جذوعُه مورقةٌ مثمرةٌ، ولَمْ تكُنْ هذهِ المفاوضةُ معَ سارةَ فقطْ بلْ معَ إبراهيَم عليهِ السلام أَيْضًا حسبَما شُرحَ في سورةِ الحِجْر وإنَّما لَمْ يُذكِرْ هاهنا اكتفاءً بما ذكر هناك كما أنه لم يذكر هناك سارة اكتفاءً بما ذكر هاهنا وفي سورةِ هودٍ.
{قال} أيْ إبراهيمُ عليهِ السلام لَمَّا عِلَم أنَّهم ملائكةٌ أُرسلوا لأمرٍ {فَمَا خَطْبُكُمْ} أيْ شأنُكم الخطيرُ الذَّي لأَجْلِه أرسلتْم سَوى البشارةِ {أَيُّهَا المرسلون قالواْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إلى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ} يعنون قومَ لوطٍ {لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ} أيْ بعدَ ما قلبنَا قراهم وجعلنَا عاليَها سافلَها حسبَما فُصِّلَ في سائرِ السورِ الكريمةِ {حِجَارَةً مّن طِينٍ} أيْ طينٍ متحجرٍ هُوَ السجيلُ {مُّسَوَّمَةً} مُرسلةً منْ أسمتُ الماشيةَ أيْ أرسلتُها، أو معلمةً منَ السُّومةِ وهيَ العلامةُ وقدْ مَرَّ تفصيلُه في سورةِ هُودٍ {عِندَ رَبّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} المجاوزينَ الحدَّ في الفُجورِ وقوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا} إلخ حكايةٌ منْ جهتِه تعالى لِمَا جَرى عَلى قومِ لُوطٍ عليهِ السلام بطريقِ الإجْمَالِ بعدَ حكايةِ ما جَرَى بينَ الملائكةِ وبينَ إبراهيمَ عليهِ السلام من الكلامِ والفاءُ فصيحةٌ مفصحةٌ عنْ جُملٍ قدْ حُذفتْ ثقةً بذكرِها في مواضعَ أُخرَ كأنَّه قيلَ فباشرُوا مَا أُمروا بهِ فأخرجنَا بقولنا فأسرِ بأهلِكَ إلخ {مَن كَانَ فِيهَا} أيْ في قُرى قومِ لُوطٍ وإضمارُهَا بغيرِ ذكرٍ لشهرتِها {مِنَ المؤمنين} ممنْ أمنَ بلوطٍ {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ} أيْ غيرَ أهْلِ بيتٍ {مِنَ المسلمين} قيلَ هُم لوطٌ وابنتاهُ وقيلَ كانَ لوطٌ وأهلُ بيتِه الذينَ نجَوا ثلاثةَ عشرَ {وَتَرَكْنَا فِيهَا} أيْ في القريةِ {ءايَةً} أيْ علامةً دالةً على ما أصابهُم من العذابِ قيلَ هيَ تلكَ الأحجارُ أوْ صخرٌ منضودٌ فيهَا أَوْ ماءٌ منتنٌ {لّلَّذِينَ يَخَافُونَ العذاب الأليم} أيْ مِنْ شأنِهم أنْ يخافُوه لسلامةِ فطرتِهم ورقةِ قلوبِهم دونَ مَنْ عَداهُم منْ ذَوي القلوبِ القاسيةِ فإنَّهم لا يعتدونَ بَها وَلاَ يعدونها آيةً {وَفِى موسى} عطفٌ عَلى قوله تعالى وفي الأرضِ أو عَلى قوله تعالى وتركنَا فيهَا آيةً عَلى مَعْنى وجعلنَا في مُوسى آيةً كقول منْ قال:
علفتُها تبنًا وماءً باردًا

{إِذْ أرسلناه} قيلَ هُو منصوبٌ بآيةً وَقيلَ بمحذوفٍ أيْ كائنةً وقتَ إرسالِنا وقيلَ بترَكْنا {إلى فِرْعَوْنَ بسلطان مُّبِينٍ} هُو ما ظهرَ عَلى يديهِ منْ المعجزاتِ الباهرةِ {فتولى بِرُكْنِهِ} أيْ فأعرضَ عنِ الإيمانِ بهِ وازورّ كقوله تعالى: {وَنَأَى بِجَانِبِهِ} وقيلَ فتولَّى بما يتقوَّى بهِ منْ مُلْكِه وَعساكِره فإنَّ الركنَ اسمٌ لمَا يركنُ إليهِ الشيءُ وَقُرىءَ برُكُنِهِ بضمِّ الكافِ {وَقال ساحر} أيْ هُو ساحرٌ {أَوْ مَجْنُونٌ} كأنَّه نسبَ ما ظهرَ على يديهِ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسلام من الخوارقِ العجيبةِ إلى الجنِّ وترددَ في أنَّه حصل باختيارِه وسعيهِ أو بغيرِهما.
{فأخذناه وَجُنُودَهُ فنبذناهم في اليم} وفيهِ منَ الدلالةِ عَلى غايةِ عظمِ شأنِ القدرةِ الربانيةِ ونهايةِ قمأةِ فرعونَ وقومِه مَا لاَ يَخْفى {وَهُوَ مُلِيمٌ} أيْ آتٍ بما يلامُ عليه منَ الكفرِ والطغيانِ والجملةُ حالٌ منَ الضميرِ في فأخذنَاهُ {وَفِى عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الريح العقيم} وصفتْ بالعُقم لأنها أهلكتهم وقطعتْ دابرَهم أوْ لأنَّها لم تتضمنْ خيرًا ما منْ إنشاءِ مطرٍ أو إلقاحِ شجرٍ وهي النكباءُ أو الدبُورُ أو الجنوبُ {مَا تَذَرُ مِن شيء أَتَتْ عَلَيْهِ} أيْ جرتْ عليهِ {إِلاَّ جَعَلَتْهُ كالرميم} هو كُلُّ ما رَمَّ وَبليَ وتفتت منْ عظمٍ أو نباتٍ أو غيرِ ذلكَ {وَفِى ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حتى حِينٍ} وهُو قوله تعالى تمتعُوا في دارِكم ثلاثةَ أيامٍ قيلَ قال لهُم صالحٌ عليهِ السلام تصبحُ وجوهُكُم غدًا مصفرةً وبعدَ غدٍ محمرةً واليومَ الثالثَ مسودةً ثمَّ يصبحكُم العذابُ {فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبّهِمْ} أي فاستكبرُوا عن الامتثالِ بهِ {فَأَخَذَتْهُمُ الصاعقة} قيلَ لمَّا رأَوا العلاماتِ التي بيَّنها صالحٌ عليهِ السلام منَ اصفرارِ وجوهِهم واحمرارِها واسودادِها عمدُوا إلى قتلِه عليهِ السلام فنجاهُ الله تعالى إلى أرضِ فلسطينَ، ولمَّا كانَ ضحوةُ اليومِ الرابعِ تحنطُوا وتكفنُوا بالأنطاعِ فأتتهُم الصيحةُ فهلكُوا وقرىءَ الصَّعقةُ وهيَ المرةُ منَ الصَّعْقِ {وَهُمْ يَنظُرُونَ} إليهَا ويعاينونَها {فَمَا استطاعوا مِن قِيَامٍ} كقوله تعالى: {فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جاثمين} {وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ} بغيرِهم كَما لم يمتنعُوا بأنفسِهم.
{وَقَوْمَ نُوحٍ} أيْ وأهلكنَا قومَ نوحٍ فإنَّ ما قبلَهُ يدلُّ عليه أَوْ وَاذكُرْ ويجوزُ أنْ يكونَ معطوفًا على محلِ في عادٍ ويؤيدُه القراءة بالجَرِّ وقيلَ هُو معطوفٌ عَلَى مفعولِ فأخذنَاهُ {مِن قَبْلُ} أيْ منْ قبلِ هؤلاءِ المُهلَكين، {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمًا فاسقين} خارجينَ عنِ الحدودِ فيمَا كانُوا فيهِ منَ الكفرِ وَالمعاصِي. اهـ.

.تفسير الآيات (47- 55):

قوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51) كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (54) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان إهلاكهم بالماء الذي نزل من السماء، وطلع من الأرض بغير حساب، كان ربما ظن ظان أن كان الخلل كان فيهما، ثم أصلح بعد ذلك كما يقع لبعض من يصنع من الملوك صنعًا يبالغ في إتقانه فيختل، قال عاطفًا على ما نصب يوم مبينًا أن فعل ذلك ما كان بالاختيار، دالًا على وحدانيته لتمام القدرة الدالة على ما تقدم من أمر البعث: {والسماء بنيناها} بما لنا من العظمة {بأيد} أي بقوة وشدة عظيمة لا يقدر قدرها.
ولما كانت السماء أليق لعظمتها وطهارتها بصفات الإلهية، قال، وأكد لما يلزم إنكارهم البعث من الطعن في القدرة: {وإنا} على عظمتنا مع ذلك {لموسعون} أي أغنياء وقادرون ذوو سعة لا تتناهى، أي قدرة، من الوسع وهو اللطافة، وكذلك أوسعنا مقدار جرمها وما فيها من الرزق عن أهلها فالأرض كلها على اتساعها كالنقطة في وسط دائرة السماء بما اقتضته صفة الإلهية التي لا يصح فيها الشركة أصلًا، ومطيقون لما لا يحصى من أمثال لك، ومما هو أعظم منه مما لا يتناهى، ومحيطون بكل شيء قدرة وعلمًا، وجديرون وحقيقون بأن يكون ذكل من أوصافنا فنوصف به لما يشاهد لنا من القوة على كل ما نريد، فلسنا كمن يعرفون من الملوك لأنهم إذا فعلوا لا يقدرون على أعظم منه وإن قدروا كان ذلك منهم بكلفة ومشقة، وسترون في اليوم الآخر ما يتلاشى وما تريدون في جنبه، ومن اتساعنا جعلها بلا عمد مع ما هي عليه من العظمة إلى غير ذلك من الأمور الخارقة للعوائد: {والأرض فرشناها} كذلك بما لنا من العظمة، فصارت ممهدة جديرة بأن يستقر عليها الأشياء وهي آية على تمهيدنا لأرض الجنة وشقنا لأنهارها وغرسنا لأشجارها {فنعم} أي فتسبب عن ذلك أن يقال في وصفنا: نعم {الماهدون} أي نحن لكمال قدرتنا، فما نزل من السماء شيء ولا نبع من الأرض شيء إلا بإرادتنا وتقديرنا واختيارنا من الأزل لأنا إذا صنعنا شيئًا علمنا ما يكون منه من حين إنشائه إلى حين إنباته، ولا يكون شيء منه إلا بتقديرنا، وذلك تذكير بالجنة والنار، فما فوقها من خير فهو آية على الجنة، وما فيها من جبال ووهاد وعر وخروبة فهو آية على النار.